وبعد نجاح ثورة 23 يوليو وتنازل الملك فاروق عن العرش ،
أعلن تنظيم الضباط الأحرار عن قيام مجلس قيادة الثورة لإدارة الأمور خلال فترة انتقالية مدتها ثلاث سنوات ، وتألف مجلس قيادة الثورة من الضباط: جمال عبد الناصر، أنور السادات، حسن إبراهيم، حسين الشافعي، جمال سالم، زكريا محيي الدين، صلاح سالم، عبد الحكيم عامر، عبد اللطيف البغدادي، خالد محيي الدين، محمد نجيب، كمال الدين حسين،
كما انضم إلى مجلس قيادة الثورة في أوقات أخرى: يوسف صديق، عبد المنعم أمين، عبد المنعم عبد الرءوف.
وقام المجلس باختيار محمد نجيب ليكون أول رئيس لجمهورية مصر العربية
بعد إلغاء الملكية إلا أنه سرعان ما دبت الخلافات بين نجيب وأعضاء مجلس قيادة الثورة
وأرجع البعض السبب في ذلك إلى رغبة نجيب في الأخذ بالديمقراطية ،
بينما أرجع البعض الآخر السبب إلى علاقة نجيب بالإخوان المسلمين
ولذا سارع المجلس إلى إعفائه من منصبه
بعدما ترددت أقاويل عن محاولة لاغتيال جمال عبد الناصر على يد الإخوان المسلمين وهو يخطب في ميدان المنشية بالإسكندرية في 26 أكتوبر 1954 ،
وألغي مجلس قيادة الثورة بانتهاء فترة الانتقال وصدور الدستور في شهر يونيو 1956، حيث تولى عبد الناصر رئاسة الجمهورية.
أسباب الثورة
ووفق آراء المحللين فقد تعددت أسباب ثورة يوليو ما بين استمرار الملك فاروق في تجاهله للأغلبية واعتماده على أحزاب الأقلية ،
وتقليص حجم وحدات الجيش الوطني بعد فرض الحماية البريطانية على مصر
وإرسال معظم قواته إلى السودان ،
وتزويده بأسلحة فاسدة في حرب 1948 ، ما تسبب بالهزيمة.
كما كان من بين الأسباب ، إغلاق المدارس البحرية والحربية ،
وسوء الحالة الاقتصادية، والظلم وفقدان العدالة الاجتماعية بين طبقات الشعب
وسوء توزيع الملكية وثروات الوطن ،
هذا بجانب إسراف وبذخ الملك فاروق وحاشيته
في الوقت الذي كان يعاني فيه الشعب من الفقر والاحتلال.
المبادئ الستة
وضعت الثورة ستة مبادئ سعت لتحقيقها وهى
القضاء على الاستعمار البريطاني لمصر
والقضاء على الإقطاع والاحتكار
والقضاء على الملكية و إقامة عدالة اجتماعية
وبناء جيش مصري قوي
وحياة ديمقراطية سليمة.
وكانت السمة المميزة للثورة أنها ثورة بيضاء خلت من العنف
وحملت على أكعقلك صغيرا ليس هموم المصريين فقط
وإنما هموم المظلومين في كل مكان
ولذا اعتبرت من أعظم الثورات في تاريخ البشرية.
كرامة الفقراء
قبل الثورة ، عانى الشعب المصري من الظلم والاستعباد وفقدان العدالة الاجتماعية وكانت الفجوة شاسعة للغاية بين طبقات المجتمع ،
حيث سيطرت حفنة قليلة من كبار الإقطاعيين على الأرض الزراعية في مصر
وعانى الفلاحون من سطوتهم فكان الإقطاعيون يملكون الأرض ومن عليها ،
كما اقتصر التعليم على الأغنياء في ظل نظام ملكي فاسد
كان ينفق ببذخ شديد على حفلاته الخاصة.
هذا بجانب أن الغالبية العظمى من المصريين كانوا يشعرون بالمهانة
حينما يلتحقون بالجيش ليس لأنهم لا يرغبون في أداء واجبهم الوطني
بل لأن هذا الواجب كان يقتصر على الفقراء وحدهم
دون الأغنياء القادرين على دفع مبالغ مالية مقابل إعفائهم.
في ظل تلك الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المتردية
وبسبب فساد الحكم وفضيحة الأسلحة الفاسدة في حرب 1948
وحريق القاهرة وقمع المظاهرات الطلابية التي تطالب بالاستقلال ،
انطلق الضباط الأحرار ليأخذوا بيد الشعب المصري
من عصر الاستعباد إلى ثورة وطنية أعادت الحرية وحققت العدالة الاجتماعية.
لقد كان من أبرز إنجازاتها محليا ،
استرداد الكرامة والاستقلال والحرية المفقودة على أيدي المستعمر الإنجليزي،
إلغاء النظام الملكي وقيام الجمهورية،
توقيع اتفاقية الجلاء بعد أكثر من سبعين عاما من الاحتلال،
تأميم قناة السويس،
بناء السد العالي،
إقرار مجانية التعليم،
القضاء على الإقطاع،
تأميم التجارة والصناعة التي استأثر بها الأجانب لعقود
، إلغاء الطبقات بين الشعب المصري،
تحرير الفلاح بإصدار قانون الإصلاح الزراعي،
نشر العدالة الاجتماعية
ولعل تلك النقطة بالذات هي التي تدفع المصريين
الآن للحنين بقوة لأيام الثورة.
على الصعيد العربي
تعتبر ثورة يوليو الاب الروحي والحاضن الرئيسي لكل حركات التحرر العربية التي حصلت فيمابعد
ففي المغرب العربي
لايستطيع اي كان انكار دعم الثورة لحركات التحرر في المغرب وتونس
ولا يستطيع احد ان ينكر الدعم الهائل الذي قدمته الثورة للجزائر عسكريا وماديا وسياسيا وكان هذا الدعم هو احد اسباب عدوان 1956
ولا يمكن ان ننكر ايضا التاثير الذي وجد في حركة الفاتح في ليبيا رغم خروجها فيما بعد عن مسارها
وفي المشرق كانت هناك تجربة الوحدة مع سوريا التي تم اجهاضها مبكرا وكان الدعم للعراق ضد الاصوات الانفصالية فيه وضد الحكم الملكي الهاشمي
وفي اليمن كان دعم الثورة واضحا في القضاء على الامامية
ودعم النضال التحرري في جنوب اليمن ضد الاستعمار البريطاني
وكذلك في الصومال
وتبقى السمة الابرز للثورة انها فتحت اعين الجماهير
على حقوقها المغتصبة من حكامها ومحتليها
وتبقى قضية فلسطين الهم الاكبر للثورة التي اعلنت من بداياتها انها القضية المركزية
ورغم النكسة في 1967
لم تتراجع الثورة وعادت وبدات الاستعداد لحرب تحريرية بدأت في عام 1969 وكان يجب ان تنهي لتبدأ حربا شاملة لكن وفاة عبدالناصر
والاعيب السادات من بعده جعلها مجرد ورقة سياسية في حرب 1973
لم يحصل على شي منها الا على الكوارث والمآسي للشعب المصري والامة العربية
على الصعيد الدولي
لقد حعلت ثورة يوليو من مصر ومن العرب اسما يجب الحساب له واوجدت لها مع دول اخرى محورا دوليا
ولعبت بمهارة في اللعبة الدولية انذاك بمايخدم مصالح مصر والعرب
ويرى المراقبون أنه ورغم كل هذه الإنجازات،
ما زالت ثورة يوليو تتعرض لمحاولات تشويه دورها وأدائها وزعامتها التاريخية واللافت أن ثمة من انتموا إليها في حقبتي الستينيات والسبعينيات،
دخلوا خندق خصومها بفعل تجاوبهم مع عمليات غسيل مخ
قامت بها دوائر معادية للثورة ودفعت وما زالت تدفع الملايين
لاكتساب أعداء ليوليو من داخلها وهو الأمر الذي استجابت له عشرات الرموز.
ومهما يكن من أمر وعلي الرغم من هذه المحاولات،
فان الثورة ما زالت فعلا تاريخيا قائما،
بصماته محفورة في الذاكرة الوطنية والقومية
ولعل المؤشر المهم في هذا السياق
يتمثل في ظهور صور الزعيم الراحل جمال عبد الناصر
في أي مناسبة أو تظاهرة في العواصم العربية
وكأنها تسترجع العبارة المأثورة "في الليلة الظلماء يفتقد البدر".
وأسف على التاخير في كتابة الموضوع